سورة التوبة - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


{إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (93) يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94) سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (96)} [التوبة: 9/ 93- 96].
أبان اللّه تعالى في آية سابقة أنه لا مؤاخذة على المؤمنين المحسنين وهم ذوو الأعذار بحق، إنما المؤاخذة على من كان مستأذنا لترك الجهاد من المنافقين الأغنياء القادرين على إعداد العدة من زاد وراحلة وسلاح وغير ذلك، ولا عذر لهم مطلقا، وسبب استحقاقهم المؤاخذة: أنهم رضوا لأنفسهم بأن يكونوا مع الخوالف من النساء والصبيان والعجزة والمرضى وأهل الأعذار الحقيقية، وترتب على تقصيرهم وتقاعسهم أن طبع (ختم) اللّه على قلوبهم، حتى لا يصل إليها الخير، ولا ينفذ إليها النور، فهم لذلك لا يهتدون، ولا يعلمون ما في الجهاد من منافع الدين والدنيا، ولا يعلمون الخير حتى يتجهوا إليه، وهكذا تظلم قلوب أهل المعاصي وتقسو، فلا تفتح لخير أو رضوان.
ذكر ابن عباس أن آيات المعتذرين المنافقين وهم ثمانون رجلا نزلت فيهم، وأمر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم المؤمنين لما رجعوا إلى المدينة بأن لا يجالسوهم ولا يكلموهم.
لقد أخبر القرآن الكريم في هذه الآيات بما سيكون من أمر المنافقين المتخلفين في المدينة وما حولها عن تبوك. إنهم حين رجوع المؤمنين من تبوك سيعتذرون للمؤمنين عن تخلفهم عن الجهاد بغير عذر، فرد اللّه عليهم آمرا نبيه بإخبارهم: لا تعتذروا بالأعذار الكاذبة لأنا لن نصدقكم أبدا، ولأن اللّه أخبرنا سلفا بالوحي إلى نبيه بعض أخباركم وأحوالكم، وهو ما في ضمائركم من الشر والفساد ومناقضة الحقائق، وسيظهر اللّه أعمالكم للناس في الدنيا، وسوف يكون مصيركم إلى اللّه عالم الغيب والشهادة، بعد البعث من القبور، فيعلم ما تكتمون وما تعلنون، فيخبركم بأعمالكم خيرها وشرها، ويجزيكم عليها. وهذا تصريح بتوبيخ المنافقين والعقاب على أعمالهم، والتخويف من اللّه.
ثم أخبر اللّه تعالى عن تأصّل الكذب في المنافقين، إنهم سيحلفون لكم الأيمان الكاذبة معتذرين، لتعرضوا عنهم أيها المؤمنون، فأعرضوا عنهم ولا تعاتبوهم ولا توبخوهم، احتقارا لهم لأنهم رجس البواطن أخباث الاعتقادات، لا يقبلون التطهير، لأنهم منافقون، ومسكنهم جهنم، جزاء بما اكتسبوه في الدنيا من الآثام والخطايا، فلا ينفع معه التوبيخ أو اللوم في الدنيا والآخرة.
وحقيقة أيمانهم الكاذبة أنها ليست لوجه اللّه وإنما لمجرد استرضاء لكم معشر المؤمنين لتستمروا في معاملتهم كالمسلمين. وإنكم إن رضيتم عنهم، فلا ينفعهم رضاكم، إذا كانوا في سخط اللّه، واللّه لا يرضى عن القوم الفاسقين، أي الخارجين عن طاعة اللّه والرسول، فليكن همهم إرضاء اللّه ورسوله، لا إرضاؤكم، كما وصفهم اللّه بقوله: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ} [النساء: 4/ 108] وقوله عز وجل: {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ} [الحشر: 59/ 13]. وهذا إرشاد ونهي للمؤمنين عن الرضا عن المنافقين، والاغترار بأيمانهم الكاذبة، وكفى بالله عليما ومعلما للمؤمنين منهج الحياة الاجتماعية وطريق معاملة المنافقين وغيرهم من أصحاب البدع المنكرة، فعلى المؤمنين أن يبغضوا المنافقين، وألا يرضوا عنهم لسبب دنيوي، من غير تفرقة بين منافق حضري أو بدوي.
كفر بعض الأعراب ونفاقهم:
من المعلوم أن العيش في المدن والحواضر أقرب للمدنية والعلم بالأحكام الشرعية، وأن البداوة سبب للجهل والوقوع في الكفر والنفاق، فعلى سكان البوادي أو الصحاري أن يتنبهوا لهذا النقص، ويحاولوا تدارك ما هم عليه من بعد عن المدن ومواضع العلم والثقافة، فيسألوا العلماء، ويترددوا على مجالس العلم بقدر الإمكان، حتى لا يبقوا في غمرة الجهل، أو التورط في الكفر والنفاق، قال اللّه تعالى واصفا بعض سكان البوادي وهم الأعراب:


{الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99)} [التوبة: 9/ 97- 99].
قال الواحدي: نزلت آية {الْأَعْرابُ} في أعاريب من أسد وغطفان ومن أعاريب حاضري المدينة.
وقال ابن جرير الطبري فيما يرويه عن مجاهد: نزلت آية: {وَمِنَ الْأَعْرابِ...} في بني مقرّن الذين نزلت فيهم آية: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ...} [التوبة: 9/ 92]. وقوله تعالى: {الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً} لفظة عامة، ومعناها الخصوص فيمن استثناه اللّه عز وجل، وهم جماعة من المنافقين كانوا في البوادي، وصفوا بالكفر والنفاق، لبعدهم عن المدن ومواضع العلم وأحكام الشرع.
والمعنى: أن بعض الأعراب سكان البادية كفرهم ونفاقهم أعظم وأشد من غيرهم، وأولى وأحرى ألا يعلموا حدود ما أنزل اللّه على رسوله من فرائض الشرع لأنهم أغلظ طبعا، وأقسى قلبا، وأكثر جهلا وبعدا عن العلماء والعلم، ولانشغالهم بتربية الحيوان ورعي الأنعام، والمراد بالحدود هنا: السنن والأحكام ومعالم الشريعة.
هذه إحدى صفات البدو.
وهناك صفة أخرى للبدو، فبعضهم منافق، ينفق ماله رياء وسمعة وتقربا للمسلمين، ويعدّ ذلك مغرما وخسارة لأنه لا يرجو به ثوابا عند اللّه تعالى، وينتظر الأحداث والآفات والمصائب بالمؤمنين التي لا مخلص للإنسان منها، فهي تحيط به كما تحيط الدائرة، وهم بنو أسد وغطفان. فرد اللّه عليهم بأن دائرة السّوء ووقوع المصيبة تدور بهم وحدهم، وتلازمهم ولا تفارقهم. وهذا وإن كان بلفظ الدعاء من اللّه عز وجل عليهم، فالمراد به إيجاب الشيء وتحققه ولحوقه بهم: لأن اللّه لا يدعو على مخلوقاته وهم في قبضته، مثل قوله تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)} [الهمزة: 104/ 1] وقوله سبحانه: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1)} [المطفّفين: 83/ 1] فهي كلها أحكام تامة، تضمنها خبره تبارك وتعالى، وقد وقعت فيهم، وأصيبوا بالهزيمة والخذلان.
واللّه سميع لما يقولون عند الإنفاق، عليم بما يضمرون وبمن يستحق النصر ممن يستحق الخذلان.
وهاتان الصفتان في بعض الأعراب لا تعني أنهم جميعا متصفون بهما، فمنهم مؤمنون، أي فبعض آخر من الأعراب يؤمنون إيمانا صحيحا بالله والرسول ويؤمنون باليوم الآخر، مثل جهينة ومزينة، وبني أسلم وغفار، وينوون بنفقتهم في سبيل اللّه القربة عند اللّه عز وجل، والتوصل لدعاء الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم، ففي دعائه لهم خير الآخرة في النجاة من النار، وخير الدنيا في أرزاقهم ومنح اللّه لهم، ومن المعلوم أن الصلاة من اللّه على عباده رحمة، ومن النبي والملائكة دعاء، ومن الناس عبادة.
إن هذه النفقات التي ينفقها بعض الأعراب بإخلاص وحسن نية، ستكون قربة خالصة ودرجة رفيعة يتقربون بها عند اللّه تعالى، وسيدخلهم اللّه بها في رحمته، أي في جنته ورضوانه، إن اللّه واسع المغفرة عظيم الرحمة للمخلصين في أعمالهم، فهو سبحانه يستر لهم ما فرط منهم من ذنب أو تقصير، ويرحمهم بهدايتهم إلى صالح الأعمال المؤدية إلى حسن الختام والمصير، ويجعلهم أهلا لرضوانه وفضله، وإحسانه ومدده.
فئات الناس في مجتمع المدينة يتركب المجتمع المدني من فئات مختلفة وأصناف شتى، فهناك المستقيم المحسن، والمعوج المسيء، والمتوسط المحايد، وهكذا كان أصناف الناس في المدينة المنورة في عهد النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، فمنهم الطبقة العليا من أهل الإيمان، ومنهم الفئة الدنيا الوالغة في الكفر والضلال، ومنهم الفئة المتوسطة التي جمعت بين الخير والشر، وخلطت العمل الصالح بالسيئ، وهذا التركيب الفئوي ذكره القرآن الكريم بصريح نصوصه، فقال تعالى:


{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ (101) وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102)} [التوبة: 9/ 100- 102].
هذه الآية تبين المنزلة الرفيعة التي تبوأها الصحابة الكرام من السابقين الأولين في الهجرة والنصرة للنبي والإسلام، من المهاجرين من مكة إلى المدينة والأنصار في المدينة، ومن التابعين الذين اتبعوهم بإحسان، رضي اللّه عنهم بقبول طاعتهم وارتضاء أعمالهم، ورضوا عن اللّه بما أسبغ عليهم من نعمه الدينية والدنيوية، فأنقذهم من الشرك والضلال، ووفقهم إلى الخير، وهداهم إلى الحق، وأعزهم وأغناهم، وأعزّ بهم الإسلام، وأعد وهيأ لهم جنات تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها أبدا على الدوام، وذلك هو الفوز العظيم الذي لا فوز غيره، وهو فوز شامل، كما أن نعيم الجنة نعيم مادي وروحاني معا.
والصحابة الكرام: هم كل من لقي النبي صلّى اللّه عليه وسلّم مؤمنا به ومات على الإسلام، وهم في الفضل درجات، وأفضلهم الذين سبقوا إلى الإسلام والهجرة ونصرة نبي اللّه.
والتابعون لهم بإحسان، أي بالإيمان والطاعة: هم الذين أدركوا أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم. وهذا التعبير يشمل جميع الأتباع إلى يوم القيامة، كما نبّه إليه النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: «اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار».
والحكم بالرضا عن السابقين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم: هو الحكم بالرضا عنهم من اللّه بإدخالهم الجنة وغفر ذنوبهم، والحكم برضاهم عن ربهم في شكرهم وحمدهم على نعمه، وإيمانهم به وطاعتهم له، جعلنا اللّه من الفائزين برحمته وفضله ومنّه. والاتباع المطلوب: هو الإتباع بإحسان، أي إحسان الأعمال والنيات والظواهر والبواطن، وأما الاكتفاء بظاهر الإسلام فلا يحقق شرط الإحسان، والمتبعون بإحسان مع الصحابة هم خير أمة أخرجت للناس، وهم الأمة الوسط العدول الخيار. ومرتبة هؤلاء في الإسلام في القمة لا يعلوها مقام.
وكان يجاور هؤلاء الوسط الخيار فئة من المنافقين كانوا في المدينة المنورة وما حولها، من أهل البدو والحضر. وهم جهينة ومزينة وأشجع وأسلم وغفار وعصيّة ولحيان وغيرهم من القبائل المجاورة للمدينة، كان منهم وليسوا كلهم قوم منافقون، مرنوا على النفاق ومردوا عليه وتأصلوا فيه، لا تعلمهم ولا تعرفهم بأعيانهم أيها النبي، ولا تعلم عاقبة أمورهم، وإنما نحن نختص بعلمهم ومعرفتهم، وهؤلاء سنعذبهم مرتين: مرة في الدنيا بفضيحتهم وهتك سترهم وتكليفهم بتكاليف الإسلام من جهاد وزكاة دون أن يستفيدوا منها، ومرة في الآخرة نردهم إلى عذاب شديد مناسب لعملهم هو النار. وعذاب المرة الأولى هو القتل والجوع. ولا خلاف بين المتأولين أن العذاب العظيم الذي يردون إليه هو عذاب الآخرة، وأكثر الناس أن العذاب المتوسط هو عذاب القبر، وإذا كان النبي ذاته لم يعلم بأعيان المنافقين في عصره، فما بال أقوام يتكلفون علم الناس: فلان في الجنة، وفلان في النار، فإذا سألت أحدهم عن نفسه قال: لا أدري.
وهناك فريق آخر حول المدينة أقروا بمعاصيهم واعترفوا بها لربهم، ولهم أعمال أخر صالحة، خلطوا أعمالهم الصالحة وهي التوبة والندم بالسيئة وهو التخلف عن غزوة تبوك، فهؤلاء تحت عفو اللّه وغفرانه، لعل اللّه أن يتوب عليهم، إن اللّه غفور لمن تاب، رحيم بمن أحسن وأناب. وهؤلاء ثلاثة أشخاص أو سبعة تخلفوا عن غزوة مع الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم وهم أبو لبابة الأنصاري ورجلان معه، تفكروا وندموا، ثم أوثقوا أنفسهم بسواري المسجد، ولم يطلقوها، وظلوا على هذه الحال في حر شديد سبعة أيام، وأقسموا ألا يطعموا ولا يشربوا حتى يعفو اللّه عنهم أو يموتوا، فنزلت هذه الآية: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} فلما نزلت أطلقهم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بنفسه وعذرهم. وهذا يدلنا على أن الكثير من الناس الذين يخلطون العمل الصالح بالفاسد، يجب عليهم ألا يقنطوا من رحمة اللّه، وعليهم المبادرة إلى التوبة، فإن رحمة اللّه قريب من المحسنين.
أثر التوبة النصوح:
إذا انحرف الإنسان عن أوامر اللّه ونواهيه، ثم تاب وأناب وأحسن العمل، توقف قبول أعماله على إذن اللّه ورضاه، وهذا ما كان عليه الحال في صدر الإسلام.
فإن الجماعة التائبة التي ربطت أنفسها بسواري المسجد، وخلطت العمل الصالح بالسيئ، جاءت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لما تيب عليها، فقالت: يا رسول اللّه، إنا نريد أن نتصدق بأموالنا زيادة في توبتنا، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إني لا أعرض لأموالكم إلا بأمر اللّه» فتركهم حتى نزلت هذه الآية:

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14